ولم يكن للمال عندها تأثير في حياتها الروحية، إذ لم تحبه حبا كثيرا، فلم يستول على كل تفكيرها حتى تفضله على أعمالها، بدليل أنها حينما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم تركت التجارة وما كانت تدره عليها من ربح كبير، ولم تشر عليه صلى الله عليه وسلم بأن يذهب إلى سوق كذا أو سوق كذا، واكتفت بما كان يقوم به من عمل مربح من ذهابه إلى سوق مكة، ثم رجوعه ليتفرغ لتفكيره وعبادته، واتجهت هي إلى القيام بما يجب عليها تجاه زوجها الكريم، وتهيئة الجو الساكن ليتفرغ لعبادته.
ولقد قام ابن عمها الشيخ الكبير ورقة بن نوفل بدور كبير في حياتها الروحية؛ فطالما استمعت إليه وهو يتحدث عما في الكتب المنزلة التي أنزلت على موسى وعيسى والأنبياء السابقين، ويذكر دعوتهم إلى الخير وعبادة الله، وكان يؤثرها الحديث حينما تستمع إليه يخبرها أنه قرأ في الكتب القديمة المنزلة أن الله سيبعث إلى الناس رسولا هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن هذا الرسول من ولد إسماعيل، وأنه سيولد بجوار بيت الله الحرام، وأن أوان نزوله قد آن [٧] ، كما أخبرها أنه يرجو أن يعيش حتى يبعثه الله إلى الناس بشيرا ونذيرا، فيؤمن به ويتبعه ويشد أزره.
كانت تستمع إلى كل هذا بأذن صاغية، وقلب مملوء بالسعادة، وتتمنى أن تعرفه، وأن تراه، وأن تساعده على تحقيق رسالته فتؤمن هي أيضا به.
لقد كانت تعيش رضي الله عنها عيشة روحية صافية، وكانت مهيأة لأن تحقق حلما يقربها من رب البيت العتيق الذي طالما طافت حوله من أجله، لتكمل سعادتها في الدنيا والآخرة.
وقد أطالت الدعاء وسألت الله أن يحقق لها ما تمنت، وصفت نفسها له، فحقق الله لها ما أرادته بالتقائها بسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.