يكرر القول فيها عن أمجاده السالفة الذكر، ولكن ببعض الإسهاب من أول وصوله إلى مصر، وإقامة الجمعة وعقد الجماعة فيها، وغزواته في مصر، التي كانت مقدمة لملك الشام الإسلامي باجتماع الكلمة عليه، ومقدمة لملك الشام الفرنجي بانقياد المسلمين له، واتفاق الملوك المجاورين على طاعته، وكذلك تفصيل غزواته ضد الفرنج وكسرهم الكسرة الكبرى في بيت المقدس، إلى غير ذلك من أخذ الثغور، وافتتاح البلاد، وإثخان القتل فيهم والأسر لهم.
ثم يصف خروج النجدات الصليبية في كثرتها وقوتها ومنعتها، وغناها ومسارعتها ومبادرتها، وأنه لا يمضي يوم إلا مع قوة تتجدد، وميرة تصل، وأموال واسعة تخرج، ومعونات كثيرة تحمل.
ويشير إلى أنهم حفروا خندقاً حول معسكرهم من البحر إلى البحر، وأداروا حولهم ومن وراء الخندق سوراً مستوراً بالستائر، ورتبوا على أبواب هذا السور جماعات مزودة بأدوات الحصار التي أخرجوها من مراكبهم [٢٠] .
وأنهم اغتنموا أوقاتاً لم تكن العساكر فيها مجموعة وارتادوا ساعات لم تكن الأُهُبُ فيها مأخوذة [٢١] ، فقد انتقل معظم الجيش الصلاحي إلى الخروبة في ٣ رمضان سنة ٥٨٥ هـ= ١٥ أكتوبر ١١٨٩م بقصد إعادة ترتيب الجيش وتنظيمه وتقويته، أو لحلول رمضان شهر الصيام، أو لمجيء الشتاء بأمطاره وبرده! أو لغيبة الملك العادل بعساكره المصرية، أو للحمى التي أصابت السلطان صلاح الدين [٢٢]
ثم يحكي للخليفة الموحدي أن أمر العدو قد تطاول، وأن خطبه قد تمادى لوصول النجدات المستمرة إليه، ومنها الحملة التي وفد على رأسها ملك الألمان في حشود كبيرة وأموال كثيرة.
وبعدها يبين له حاجته إليه في تطويق العدو والقضاء عليه فيقول:"إن هذا العدو لو أرسل الله عليه أسطولاً قوياً مستعداً يقطع بحره، ويمنع ملكه لأخذنا العدو إما بالجوع والحصر، أو برز فأخذناه بيد الله تعالى التي بها النصر"[٢٣] .