وقبل أن ينهى صلاح الدين رسالته يقول:"كان المتوقع من تلك الدولة العالمية، والعزمة الفادية، مع القدرة الوافية، والهمة المهدية الهادية، أن يمد غرب الإسلام المسلمين بأكثر مما أمد به غرب الكفار الكافرين فيملأها عليهم جواري كالأعلام، ومدنا في اللجج سوائر كأنها الليالي مقلعة بالأيام، تطلع علينا معشر الإسلام آمالاً، وتطبع على الكفار آجالاً ".
وكان سفير السلطان صلاح الدين، أو الممثل الشخصي له على حد قولنا الآن إلى ملك المغرب، هو الأمير أبو العزم عبد الرحمن بن منقذ، وقد ورددت في الرسالة كلمة تشيد بمكانته، وعلو منزلته، مما سبق الإشارة إليه في الوصايا، وصحبت هذه الرسالة هدية، وفصلت محتوياتها [٢٥] .
وتختم هذه الرسالة بخاتمة طويلة لم نعهد مثلها فيما قبل سواء في المكاتبات المرسلة إلى الخليفة العباسي أو الخليفة المغربي، ونصها: "والسلام الصادر عن القلب السليم، والود الصميم والعهد الكريم، على حضرة الكرم العلية، وشدة السيادة الجلية، سلام مودة ما وفد الغرب قبلها مثلها، ورسالة ما خطرت إلى أن نفذت وراءها المحبة رسلها، وليصل السلام ورحمة الله وبركاته، ورضوانه وتحياته، إن شاء الله تعالى [٢٦] .
رسالة إلى سفير السلطان صلاح الدين في المغرب:
أرسل القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين إلى شمس الدين ابن منقذ في المغرب ينهى إليه أخبار القتال حول عكا.
فيخبره أن عدة من قتل على عكا من الفرنج تجاوز الخمسين ألفاً، وأن ملكي فرنسا وإنجلترا وملوكا آخرين أسرعوا لنجدة الصليبيين في قوة هائلة، فيها سفن الواحدة كأنها مدينة وفيها الخيول والخيالة.