في سنة ٥٩٣ هـ: ١١٩٧ م أرسل القاضي الفاضل رسالة إلى الملك العادل بدمشق يحثه على قتال الفرنج، ويشكره على ما هو بصدده من محاربتهم، وحفظ حوزة الإسلام، فمن ذلك قوله في بعض تلك الكتب:"هذه الأوقات التي أنتم فيها عرائس الأعمار، وهذه النفقات التي تجري على أيديكم مهور الحور في دار القرار، وما أسعد من أودع يد الله ما في يديه، فتلك نعم الله عليه، وتوفيقه الذي ما كل من طلبه وصل إليه، وسواد العجاج في هذه المواقف بباطن ما سودته الذنوب من الصحائف، فما أسعد تلك الوقفات، وما أعود بالطمأنينة تلك الرجعات".
وكتب أيضاً في تلك السنة:"أدام الله ذلك الاسم تاجاً على مفارق المنابر والطروس، وحياة للدنيا وما فيها من الأجساد والنفوس، وعرف الملوك من الأمر الذي اقتضته المشاهدة، وجرت به المعاقبة في سرور".
ولو كان فيها تدبير لكان مولانا سبق إليه، ومن قلم من الإصبع ظفراً فقد جلب بنعله نفعاً، ودفع عنه ضرراً، وتجشم المكروه ليس بضائر، إذا كان ما جلبه سبباً إلى المحمود وآخر سنوه أول كل غزوة، فلا يسأم مولانا نية الرباط وفعلها وتجشم الكلف وعملها، فهو إذا صرف وجهه أوجه واحد، وهو وجه الله، صرف الوجوه إليه كلها {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[٣٩][٤٠] .
صدرت المكاتبتان المذكورتان في عهد الملك العزيز بن السلطان صلاح الدين، وهو يستنجد بالملك العادل الذي تولى حكم الشام سنة ٥٩٢ هـ: ١١٩٦ م، والقاضي الفاضل يذكره بالثواب العظيم في الدنيا والآخرة، فالجهاد هو مهور الحور في دار القرار، وفي الدنيا نتيجته محمودة وخيره عميم، فالمجاهد إذا قصد وجه الله الواحد، فوجوه البرية تتجه إليه بأسرها.
ويختم كتابه الثاني بآية من القرآن الكريم تناسب ما ورد في المكاتبتين "بل إن هذه الآية وحدها، فيها إشارة إلى كل ما جاء في الرسالتين.