وإذا وضعنا في الاعتبار قول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} فلابد أن يكون لهم قبلة يتجهون إليها في عبادتهم لله وحده. من أول يوم على الأرض. ولا نتصور عبادة بلا اتجاه أو بيت معبود.
وذكر اليعقوبي في تاريخه أن آدم لما أهبط إلى الأرض تلقى من ربه كلمات فتاب عليه وهدي. واجتباه وأمره أن يبنى له بيتاً. فصار إلى مكة وبنى البيت [٩] وروى عبد الملك بن هشام عن وهب بن منبه: "إن آدم عندما تاب الله عليه، أَنزل عليه صحيفة نزل بها جبريل يأمره بالمسير إلى البلد الحرام، ويبني البيت العتيق، وأن جبريل دَلّه على المكان فبنى آدم البيت وتعينه حواء. وقال: هذا منسك لك ولولدك من بعدك، فأول أثر على وجه الأرض مكة والبيت قال الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} ثم أمره بالمسير إلى البلد المقدس فأراه جبريل كيف يبنى بيت المقدس فعاونه أبناؤه في بنائه"[١٠] .
ولم تزل العرب تعظم موضع البيت بعد أن أزاله الطوفان وصار موضعه أكمة حمراء [١١] .
وذكر الطبري في تفسيره عن قتادة قال:"ذكر لنا أن البيت أهبط مع آدم حين هبط إذ قال الله له: أهبط معك بيتي يُطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين. حتى إذا كان زمان الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره ولم تصبه عقوبة أهل الأرض. فتتبع منه إبراهيم أثراً فبناه على أَساس قديم كان قبله"[١٢] كما ذكر الطبري أيضاً في تاريخه:"أن البيت حين أغرق الله قوم نوح رفعه وبقي أساسه فبوأه الله عز وجل لإبراهيم فبناه"[١٣] .