للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خرجت من المستشفى وأنا لا أكاد أصدق ما حصل ورحت أفرك عيني هل أنا في حلم؟.. لا فهي الحقيقة، وزال كل جمال للدنيا من عيني فما عدت أرى أمامي إلا سواداً ومشيت وأنا أترنح يمنة ويسرة ونظرت إلى الشمس فإذ هي لا تثير بي إحساساً ولا تحرك شعوراً وكان جبل قاسيون يجثم أمامي شامخاً فأحسست به وكأنه على صدري وحاولت أن أستنشق الهواء فإذا الهواء جامد قاسي لا يدخل رئتي واندفع سعال بسيط يهز كياني كله.. لقد كان الرجل صادقاً فها أنا أسعل سعالاً خفيفاً.. ولكن مدافعة عنيفة ثارت في نفسي.. لا يمكن أن يكون هذا.. وكان ثقل رأسي قد بلغ مني مبلغه وكأن مطارق عنيفة تهوى على جمجمتي تكاد أن تحطمها.

كان منظر الأشجار أصفر باهت تعلوه سمة الموت ومغادرة الحياة!.. وكانت زقزقة العصافير ضوضاء مزعجه ترهق الشعور وتدعوا إلى الضيق، وكان النسيم بارداً ثقيلاً تمجه الصدور وتخشاه، وكانت سحن الناس كئيبة مقترة لا تفتر عن بسمة ولا تنم عن تفاؤل.

وصلت البيت فأدرت المفتاح ودخلت كان البيت موحشاً مقفراً لا أثر فيه للحياة أو الحركة، فالأهل كلهم في الزبداني، وأكببت على فراشي وترغرغت الدموع في عيني، وغلبني سعال خفيف، وأحسست بعرق غزير يبل جسدي, فبكيت وبكيت.. وقمت فوقفت أمام المرآة أنظر في وجهي.. وثارت في نفسي تساؤلات: أيمكن أن يكون هذا الوجه الأزهر وجه مسلول.. وجاء الجواب: ألا ترى الشمعة قبل أن تذوي يشتد لهيبها. أيمكن أن يكون هذا الصدر الذي ينم عن قوة، وهذان الساعدان المفتولان قطعة من جسمي المسلول.. وكان الجواب: كم من أشياء ننخدع بها في الحياة، أنسيت أنك في مسبح بولدان في الأسبوع الماضي شعرت بوهن وضيق في صدرك شديد، وأن أصدقائك عزوا ذلك إلى شدة برودة الماء.