وقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون فلم يحد عليهم عليه الصلاة والسلام. وقتل في زمانه أمراء جيش مؤته زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحه رضي الله عنهم، فلم يحد عليهم. ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيد ولد آدم والمصيبة بموته أعظم المصايب، ولم يحد عليه الصحابة رضي الله عنهم. ثم مات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفضل الصحابة وأشرف الخلق بعد الأنبياء لم يحدوا عليه. ثم قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وبعد أبي بكر الصديق، فلم يحدوا عليهم وهكذا مات الصحابة جميعاً. فلم يحد عليهم التابعون. وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من علماء التابعين ومن بعدهم كسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي. وعمر بن عبد العزيز، والزهري، والإمام أبي حنيفة، وصاحبيه، والإمام مالك بن آنس، والأوزاعي، والثوري، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهوية، وغيرهم من أئمة العلم والهدى فلم يحد عليهم المسلمون. ولو كان خيراً لكان السلف الصالح إليه أسبق والخير كله في أتباعهم والشر كله في مخالفتهم.
وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أسلفنا ذكرها على أن ما فعله سلفنا الصالح من ترك الإحداد على غير الأزواج هو الحق والصواب. وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحداد على الملوك والزعماء أمر مخالف للشريعة المطهرة مع ما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة وتعطيل المصالح والتشبه بأعداء الإسلام.