ثم قال:(باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي) فقال: وقد تدبرت رحِمك الله مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تُطْرَف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل، ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والآنية ولَو ردُّوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج، ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الاتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات. والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك
أتباعا وأشياعاً. وقد كان يجب- مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر- أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّابُ والمسَّاح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء ونبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد، فما بالهم أكثر الناس اختلافاً لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين.
ثم ذكر تضارب الآراء واختلاف الأهواء والاتجاهات بين زعماء أهل الكلام وانتقدهم أشد النقد ثم قال ذكر أصحاب الحديث.