وأجاب الجمهور عن حديث ابن أم مكتوم وغيره من أصحاب الأعذار بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد لهم رخصة تحصل لهم فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور على الأعمى، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم رخص لعتبان بن مالك - رضي الله عنه - حين قال: يا رسول الله إن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فأحب أن تأتيني في مكان من بيتي أتخذه مسجداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سنفعل". فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أين تريد؟ ". فأشار إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه، فصلى بنا ركعتين.
وفي رواية إن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة، والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلى ... الخ [٢٦] .
وقالوا أيضاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر رجلين صليا في رحالهما بإعادة الصلاة، ولم يبين لهما أن حضور الجماعة واجب وهذا وقت بيانه.
ثم الاستدلال بحديثي الأعمى وأبي هريرة على وجوب مطلق الجماعة ففيه نظر، لأن الدليل أخص من الدعوى إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لسامع النداء.
وكان من جملة أدلتهم أيضاً حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً وهو "إن أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى، والذي ينتظر الصلاة يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام"[٢٧] .
وأيضا حديث أبي هريرة بهذا المعنى [٢٨] .
وأما حديث ابن عباس المتقدم بلفظ "من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له إلا من عذر". فإن المراد به كاملة على أن في إسناده يحيى بن أبي حية أبو جناب ضعيف كما سبق. والله تعالى أعلم بالصواب.