ثم إنه ليس من شأن المؤمن أن يقصد نفعاً دنيوياً فقط، بل ينبغي له أن يقصد نفع الآخرة قصدا أوليا والنفع الدنيوي قصداً ثانوياً، يشير إليه قوله تعالى:{سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . كما يشير إلى قصد مطلق النفع قوله تعالى:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} .
إن الحركة الفكرية في عالم الخلق والتكوين التي تقودها هذه الأصول الأربعة وتقطع مسافتها في ضوئها تسمى ب (الفكرة السنية الطبعية) سواء كانت في الطبعيات أو الكيمياء أو الهيئة والرياضة أو في غيرها من العلوم الطبعية، وهي (سنية) لكونها مهتدية بهداية القرآن الحكيم، و (طبعية) لاختصاص مسافتها بعالم الخلق والتكوين وعدم علاقتها في نفسها بعالم الأمر والتشريع، وعدم تأثيرها في نفسها في سعادة النفس وشقائها كما أوضحناه من قبل.
ثم إن التفكر في عالم الخلق والتكوين لا يختص بالمسلمين وهو مجال لكل من له قوة في التفكر والنظر سواء كان مؤمناً أو كافراً، وإن من المخلوق ما هو خير لنا كما أن منه ما هو شر لنا، فكما أنه يمكن لنا أن ننتفع به يمكن أن نتضرر به، وإذا تفكر أعداء الإسلام
الكافرون بالدين المبين في عالم الخلق وأثاروا شره، ومنعونا عن خيره، ولم نستطع أن ندافع عن أنفسنا ونقاومهم لسبق فكرهم في عالم الخلق على فكرنا فما هو المخلص لنا من شرورهم؟ وكيف نحفظ ديننا وعرضنا وأنفسنا من عدوانهم وإفسادهم؟.
ومرجع السؤال إلى أنه كيف نتفكر في الخلق والتكوين حتى نستطيع لجلب الخير ودفع الشر، ونقدر على الدفاع عن ديننا وملتنا، وعلى حفظ الإنسانية من الدمار والفساد بأيدي المجرمين من أوروبا وأمريكا؟ وهذه هي المشكلة الشديدة التي واجهناها اليوم كما هو ظاهر لا يحتاج إلى البيان.