ثم إن الكتاب والسنة كل واحد منهما قد وصل إلينا بأيدي الصحابة رضي الله عنهم الذين تعلموهما عن النبي من غير واسطة، وفهموا معناهما وعقلوا مغزاهما وعملوا بهما تحت مراقبته صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه تولى تربيتهم وتزكيتهم، وجعلهم أسوة متبوعة لمن سواهم من الأمة الكائنة إلى يوم القيامة ومبلغين لدعوته إلى سائر الناس، ومعلمين ما علمهم من الكتاب والسنة لمن سواهم من أمته صلى الله عليه وسلم فجماعة الصحابة هم الواسطة الكبرى بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم وكل صحابي رضي الله عنه هو أنموذج عملي لتعليمه عليه أفضل الصلوات والسلام، فبديهي أنه لا تتضح معاني الكتاب والسنة إلا بالنظر إلى عمل الصحابة وتشريحهم وتفسيرهم لهما.
فالكتاب والسنة منبعان لماء الحياة، وجماعة الصحابة نهر مملوء بمائهما جامع لهما لا يزال يجري إلى يوم القيامة.
فقد تبينت من هذه المقدمات الممهدة الأصول التي هي أجزاء الفكرة السنية النفسية وهي هذه:
الأصل الأول: يجب أن يكون تفكرنا في مسألة من مسائل الحياة من هذا النوع مبنيا على عقيدتنا الجازمة بأن المأخذ الأول للعلم الفارق بين الحق والباطل هو الكتاب والثاني هو السنة، أما الإجماع والقياس فيرجعان إليهما، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أخذوهما من النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة، ونقلوهما إلى من بعدهم من الأمة، ولم ينقل ولا يمكن أن ينقل كذلك شيء عن الدين عن غير الصحابة، ومن نسب شيئاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغير توسط صحابي فهو كاذب زنديق، فعمل الصحابة هو مأخذ ثالث للعلم فكونه دليلاً قطعياً على كون ذلك العمل والقول ثابتا بالكتاب أو السنة مطابقاً لهما، ولكونه أنموذجاً عملياً لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة شرعية ما لم يعارضه حجة شرعية أخرى أقوى منه كنص الكتاب مثلاً.