التاريخ يدخر المواعظ والعبر لنتعظ بها، ولنسلك طريق المستقبل في ضوئها، فنشير إلى بعض الحوادث الماضية التي تصدق ما قلناه من أن (الفكرة السنّية) لها أثر عظيم في رقي الأمة المسلمة وعروجها، وإن تركها موجب لزوالها وانحطاطها، فإن زوالها إنما بدأ حين ضعف اعتصامها بالكتاب والسنة، ولاشك أن هذا الضعف قد طرأ عليها بسبب التغير في منهاج فكرها ووجهة نظرها، وذلك بأن المجتمع الإسلامي من حيث المجتمع قد ترك (الفكرة السنّية) في الأمور الاجتماعية لاسيما في الأعمال السياسية وإن بقيت مختارة لكثير من الأفراد في الحياة الفردية، وكفاك مثلا وعبرة حادثة زوال الخلافة العباسية فإنها سقطت في أول فتنة في التاريخ الإسلامي التي أثارها المنافقون، وأصبحت تلك الفتنة قائدة لجيش الفتن التي صحبتها، كفتنة القول بخلق القرآن وفتنة إنكار الحديث وأمثالها من الفتن التي ظهرت في عصر العباسيين وانتهت بزوالهم.
وتوضيح هذا المجمل أن أول فتنة ظهرت في الإسلام هي فتنة تنقيص شأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإن سعي اليهود لإزالة حب الصحابة وتعظيمهم وتوقيرهم عن قلوب المسلمين أنتجت فرقة في الأمة تسمي نفسها باسم الشيعة.
وهذه الفرقة التي نشأت على عداوة الصحابة وتنقيص شأنهم، قد قويت على عهد الخلافة العباسية، لأن العباسيين استعانوا بها حين أثاروا الثورة ضد الأمويين، ثم إن خلفاءهم وزعماءهم قربوا هذه الفرقة ونصبوا رجالها على مناصب جليلة وأشركوهم في أمور الخلافة، حتى أنها تسلطت عليهم، وكان عاقبة الأمر أن الشيعة لعداوتهم لأهل السنة ولدينهم الحق دمروا الخلافة العباسية تدميرا واستأصلوها بالمؤامرة بتآمر الذين دعوهم للتدمير وأعانوهم على هذا المقصد الشنيع.