وقال ابن عطية:"الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظه تصلح إن تلى الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر بعضهم يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحداً من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن فما الغاية القصوى من الفصاحة. والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا نرى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها وهلم جرا وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحر، وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم"[٢٧] .
ويقول الخطابي: إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفا وأشد تلاوة وتشاكلاً من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فإما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير.