والإعجاز القرآني جملة ومنه اللفظي إنما يتجلى للمسلمين على درجات متفاوتة وإن الذين يقفون على جل أسرار الإعجاز اللفظي فقط قلة حتى بين العرب فإذا غاب الإعجاز اللفظي على نسبة كبيرة من المسلمين العرب فهو على غيرهم من المسلمين أكثر غيابا، فلماذا والحال كذلك تضع العراقيل في وجه تبليغ الدعوة للناس كافة على أمر هو على أهميته وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ليس ذلك فحسب بل إن هذه الوسيلة لا تدرك على أكمل وجه وأبلغه بمجرد تعلم اللغة العربية وإنما ببلوغ درجات عظيمة في علومها وفنونها، ومع ذلك فإن مفاتيح إدراك وجوه الإعجاز والمعاني القرآنية لا تكمن في اللغة فحسب وإن كانت اللغة أهم أدواتها، ولكن بشاشة الإيمان وصدقه وإخلاص القلب وصفاءه هي المصابيح التي تنير طريق المؤمن وتكشف خبايا هذا الكنز الميسر للمؤمنين إن شاء الله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .
وبشاشة الإيمان كما لا يخفى لا تدرك بكثير علم في الشرع ولا باللغة ولكن بنور الله الذي يعطاه من أصدق الله ونصره، فما سبق الناس أبو بكر بكثرة الصيام ولا قيام ولكن سبقهم بشيء في قلبه، وبالعبادة يرقى العبد إلى أعلى عليين فيدفعه ذلك إلى التعطش للمعرفة والتقرب إلى الله من خلال الحديث إليه مباشرة والأخذ من مأدبته: ألا إن مأدبة الله القرآن: فيجد المسلم - والحال كذلك - نفسه مدفوعاً إلى تعلم العربية وفنونها وهو الأفضل لأن الحاجة لتعلمها تأتي من خلال الحاجة لاستعمالها وذلك هو المحك الرئيسي للعلم وهذا ما فعله ويفعله المسلمون الخلص كل يوم وبلغ به الأعاجم مكانة في اللغة بزوا فيها العرب وما كانوا ليبلغوها لولا هذا الحافز الديني.