وصحيح ما أعرب عنه الكثيرون من أن الترجمة لا يمكن أن تنقل المعاني القرآنية بكل دلالاتها وإيقاعاتها، بكل سحرها وروعتها المؤثرة في النفوس الملينة للقلوب، إلا أنه ومن خلال التجارب والترقي في فنون الترجمة القرآنية سيصل المسلمون - ما أخلصوا النية - إلى مستوى من الترجمة معقول ومقبول، ولقد نشأت الآن بعض الدراسات ورصدت بعض الملاحظات التي من شأنها أن تهدي إلى إزالة كثير من القصور الذي صاحب التراجم الأولى وعلى كل فما يدرك كله لا يترك كله ويقرر ذلك في بساطة الأستاذ محمد أسد في مقدمة ترجمته للقرآن فيقول: دون سائر الكتب فإن معاني القرآن وتعبيراته اللغوية يكونان كلا لا ينفصل فيه أحدهما عن الآخر، ذلك أن مكان الكلمة من الجملة وموسيقى العبارات والتركيب العضوي للجمل القرآنية والهيئة المثلى التي تتدفق فيها العبارات القرآنية الرمزية إلى دلالات واقعية حية بإيقاعات ونبرات محكمة مؤثرة، كل هذا يجعل من القرآن عملاً فريداً يعجز البشر عن ترجمته وفقاً لهذه الخصائص إلى أي لغة أخرى إلا أنه من الممكن أن تترجم رسالته (معانيه) بلغة معبرة ومفهومة لقوم كالغربيين لا يعرفون العربية البتة وكمعظم المسلمين غير العرب الذين لا تسعفهم حصيلتهم من العربية إلى أن يجدوا سبيلهم إلى القرآن دون مساعدة [٣٤] .
إن واجب المسلمين تجاه العالم اليوم لأكبر من أن يؤدى بمجرد ترجمة القرآن وإنما يحتاج لمجهود أكبر من ذلك، فهو عالم حائر يتخبط ذهبت به المادة مذاهب ليس فيه المزيد من القوى لتحملها كما لم يعد في المادة نفسها مزيدا من البريق والجاذبية لتلهيه وتجذبه ... فضل أيما ضلال فما على المسلمين إلا أن يقدموا له الإسلام حيا يسعى بأعمالهم قبل أقوالهم.