ولولا الجد والإخلاص في العمل والوعي الصادق عند أبناء هاتين الأمتين وتحقيق التفوق في ميدان العلوم والفنون لما كانت توصلت هاتان الدولتان إلى هذه المكانة العلمية الفريدة بين الأمم.
إن التفوق ليس أمنية تبتغي فحسب وإنما هو غاية تقصر عن تحقيقها بغاث الطير، ولابد لتحقيق هذا التفوق من نفوس كبار وعزائم جبارة وتعاون مثمر وإخلاص صادق وتفان وبذل، وإيثار وتضحية.
وليست هذه كلمات مثالية يصعب تحقيقها، وإنما هي مفتاح النهضات عند كل أمة تبتغي الحياة لأبنائها، وعندما تحلت بها أمتنا في غابر أيامها حققت التفوق على من يعاصرها من الأمم، وحققت معنى ما جاء في الأثر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنتم بين الأمم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود أو كالشامة السوداء في جلد البعير الأبيض".
فهذا التمايز الواضح الصارخ لما أرادنا الرسول أن نكون عليه هو التفوق المقصود في بحثنا هذا في أن نكون متفوقين في كل شيء. وأن لا نكون عالة على غيرنا من الأمم ولولا ذلك لما صح معنى هذا التمايز مطلقاً.
والتفوق في شتى الميادين لا بد له من منطلق, وأولى منطلقاته هو العلم [١] والتزود منه بخير زاد، لأن العلم هو أساس كل نهضة وحضارة وصدق الله العظيم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} .
والعلم لا يأتي بمجرد التمني والمزاعم، وإنما لابد له من عمل, ولابد له من إخلاص, ولابد له من همة من تعب وسهر, ولابد له من أخلاق, ولابد له من سلطان يأطر الناس عليه أطراً.
وإن لم يتحقق في أمتنا مفهوم التفوق فستبقى دون غيرها من الأمم وسيتغلب عليها من يسلك سنن الحياة، وسنكون مستذلين مستضعفين عاجزين عن أن نتبوأ المكانة اللائقة بنا كخير أمة أخرجت للناس.