عن أبي ثعلبة.. كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية - ولعل ذلك كان لتفيهؤهم الظل وأماكن الشجر- فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن تفرقكم هذا من الشيطان.. فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال "لو بسط ثوب عليهم لعمهم"[١٤] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار"[١٥] .
وهكذا ترهب السنة من الخروج على صورة في التجمع الإسلامي وتهدد من يشد عن الجماعة ولو كان يؤدي عبادة. روى الترمذي بسنده عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة".
إن الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي والإبقاء على جماعته وأمته قربة عظيمة يجب أن تمحى من أجلها كل ما يشينها أو يخلخلها، ولذلك فإن الإسلام في الوقت الذي نفر فيه من عوامل الفرقة والاختلاف، بارك كل ما من شأنه أن يقوي الروابط، ويشيع الألفة، وكافأ على ذلك الأجر الجزيل.
فدعا إلى التآخي والتواد والتحابب في الله:
قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وجاء في الحديث القدسي "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"[١٦] وفي رواية للإمام مالك "وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في".