فالنجاة مما تعانيه الأمة من عواقب الفرقة والاختلافات تكمن في الاعتصام بحبل الله والتجمع حول عقيدته ونهجه ودينه، وليس على أي تصور آخر, أو تحت راية أخرى. ذكر ابن اسحق وغيره أن هذه الآية- والآيات قبلها- نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود يدعى شاس بن قيس مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه، وأمره أن يجلس بينهم وأن يذكر ما كان بينهم من حروب.. ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتوعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم" وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم.. وكذلك بين الله لهم فاهتدوا، وكذلك يبين الله لنا {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
مؤتمر على الطريق:
ولقد فطن المسئولون في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى الخطر الذي يتهدد المسلمين من جراء فرقتهم واختلافهم.. فدعوا إلى المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة بناء على الموافقة السامية على انعقاده في شهر ربيع الأول من هذا العام سنة ١٤٠٤ هـ، وإنها لبادرة طيبة ويقظة مباركة من الجامعة أن تجعل الموضوع الرئيسي للمؤتمر "سبيل الدعوة الإسلامية إلى تحقيق التضامن الإسلامي ووحدة المسلمين" وذلك بعد أن تردى بالمسلمين الحال إلى درجة طمع فيهم عدوهم وتجرأ عليهم أراذل خلق الله وأجبنهم من الصهاينة الذين وصفهم الله بقوله {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}