روى الإمام أبو داود في سننه عن المقداد بن معد يكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع"[١] .
وهذه التوجيهات القرآنية، وتلك الإرشادات النبوية، قد سلكت في إقامة أول دولة إسلامية على التضامن والوحدة، مسالك متنوعة، أن أهمها ما يأتي:
أولاً: أن القرآن الكريم، قد بين للناس جميعا، أن الله- تعالى- قد خلقهم بقدرته من نفس واحدة، فعليهم أن يعيشوا في هذه الحياة متآخين متحابين.. قال - تعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} ] النساء: [١.
والمعنى: يا أيها الناس اتقوا ربكم بأن تطيعوه فلا تعصوه، وبأن تشكروه فلا تكفروه، فهو وحده الذي أوجدكم من نفس واحدة، هي نفس أبيكم آدم، وهو وحده الذي أوجد من هذه النفس الواحدة زوجها حواء، وهو وحده الذي "بث "أي: نشر وفرق، من تلك النفس الواحدة وزوجها، على وجه التوالد والتناسل، رجالا كثيرا، ونساء كثيرة.
فأنت ترى أن هذا النداء لجميع المكلفين، قد نبههم إلى أمرين:
أولهما: وحدة الاعتقاد بأن ربهم واحد لا شريك له، فعليهم أن يخلصوا له العبادة، لأنه هو الذي خلقهم وهو الذي رزقنهم، وهو الذي يميتهم وهو الذي يحييهم، وهو الذي أوجدهم جميعاً - بقدرته النافذة- من نفس واحدة.
وثانيهما: وحدة النوع والتكوين، إذ الناس جميعاً على اختلاف ألسنتهم وأشكالهم وأجناسهم، قد انحدروا عن أصل واحد..