ثالثاً: لقد بين القرآن الكريم في كثير من آياته، أن الأمة الإسلامية، أمة واحدة في عقيدتها وفي شريعتها، مهما تناءت ديارها، وتباعدت أوطانها، واختلفت لغاتها، ومن هذه الآيات قوله- تعالى-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} ] الأنبياء: ٩٢ [.
أي: إن هذه الأمة الإسلامية، التي هي أمتكم- أيها المسلمون- "أمة واحدة"لأن إلهها واحد، ودينها واحد، وشريعتها واحدة، وقبلتها واحدة، وأهدافها واحدة ...
{وَأَنَا رَبُّكُمْ} لا شريك لي في الربوبية {فَاعْبُدُونِ} أي: فأخلصوا لي العبادة والطاعة، ولا تشركوا معي أحداً من خلقي في ذلك.
وهذه الوحدة للأمة الإسلامية، قد أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيداً قوياً، عن طريق إرشاداته المتنوعة، وتوجيهاته السامية.
وفي هذا المعنى يقول بعض العلماء: لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله، الوحدة الإسلامية الجامعة لأمته، فقد تضافرت عنه الروايات الدالة على الأخوة الإسلامية التي لا تفرق بين عربي وأعجمي، ولا بين شريف وضعيف، ولا بين إقليم وإقليم، وقال في عبارة جامعة:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ... "
وغير هذا مشهور مستفيض، حتى إن ذلك ليتواتر في المعنى، فهو من المعاني التي تفهم من تعاليم الإسلام بالضرورة، ولا يعد من المسلمين من ينكرها، أو يخالفها جحودا بها.
وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم المبينة لهذه الوحدة الجامعة، فهي تلك المؤاخاة التي ربط بها بين القرشي، والخزرجي، والأوسي، ومن كان من أصل غير عربي ...
المسلمون إذن أمة واحدة، وتلك حقيقة يعد من نافلة القول بيانها، فضلاً عن إقامة الدليل عليها، لأنها مجمع عليها [٢] .