ألا ترى أن فرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[١٩] لأنه المسؤول عن استخفافه قومه، وإيرادهم النار! , وأن امرأة فرعون بنى الله لها قصراً في الجنة، إذ استطاعت أن تنجو بقلبها من الوسط الكافر، وهو أمر لا بد فيه من الجهد والعناء، ومكافحة الموانع والحوائل مكافحة مريرة، في سبيل استنقاذ النفس من براثن الكفر الحاكم؟
لقد استبان الأمر، إذ حصحص الحق، إننا عهد إلينا بالقوامة على الناس والشهادة عليهم في اتباع شرع الله، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[٢٠] .
لقد كرمنا الله بمسؤولية الشهادة على الناس ما حكمنا بشريعة الله والرسول.
فبذلك نكون من المحسنين ومن رحمة الله قريبين، وأجرنا بإذن الله أجران: أجر الإسلام وأجر القيام على الناس بالإسلام.
فإن أبينا الكرامة وتخلينا عن الواجب وقع علينا ما أنذرنا الله به ورسوله نالتنا عقوبة الله مضاعفة وخسرنا خسرانا كبيراً خسرنا أنفسنا وخسرنا حق الشهادة على الناس، فلم يعترف لنا به الأمم، بل صرنا موطئ أقدامهم وقصعة أكلهم، وموضع المهانة والإذلال إن اصطفاء الأمة الإسلامية لرسالة الله، تضعها في هذا الموقف الدقيق الحساس، وتجعل منها أمة نسيج وحدها: أمة من شجرة مباركة طيبة لا شرقية ولا غربية تولي وجهها شطر المسجد الحرام، فلا تدور في فلك أحد، بل تدور في فلكها الأمم، لأنها منحت دور الشهيد في تنفيذ شرع الله، والقائم بهذه المهمة لا يستوحي من غيره، ولا يقبل خضوعا، ولا تبعية، ولا تتم له الرسالة إلا بالاستقلال عن المؤثرات الغريبة، وبامتلاك قوة التأثير والتوجيه.