لقد جاء في السياق قبل هذه الآية قول الله تعالى:{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} . وهو إخبار منه تعالى لعباده المؤمِنين بأنهم إن أطاعوا بعض أفراد اليهود أو النصارى بأن سمعوا منهم واستجابوا لما يقولون لهم أدَّى بِهِمْ ذلكَ إلى الردَّة والعياذ بالله تعالى، وهو إخبار بمعنى الإنشاء؛ إذ مراد الله تعالى من هذا الخبر نهيه عزّ وجل المؤمنين عن طاعة أهل الكتاب لما قد تُفْضي بهم تلك الطاعة إلى الكفر والعياذ بالله. ومن هنا ناسب أن يأمرهم بما يكون عصمة لهم من الوقوع في الردَّةِ والكفر بعد الإيمان والإسلام فقال عزّ وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} . فهذا وجه المناسبة بين الآيتين وهو ظاهر والحمد لله.
الغرض الذي سيقت له الآية:
إنّ الغرض الذي سيقت له هذه الآية هو الأمر بتقوى الله عز وجل وذلك بفعل مأمور الله عز وجل وهو الإيمان والعمل الصالح، وترك منهيه تعالى وهو الشرك والمعاصي بترك واجب أو فعل منهيّ وبذل الجهد في تحقيق هذه التقوى، والصبر عليها مع الاعتصام بدين الله وعدم التفرّق فيه، حتى الموت على الإسلام.
مباحث الألفاظ:
من مباحث ألفاظ هذه الآية ما يلي:
التقاة: اتّقى يتقي اتّقَاءً وتُقَاةً، وهى بمعنى التقوى التي هي الاسم من اتقى.
حق تقاته: هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، إذ الأصل اتقوا الله التقاة الحقة.
ولا تفرقوا: تفرّقوا أصلها: تتفرقوا فحذفت إحدى التائين تخفيفا.
إلا وأنتم مسلمون: الجملة حالية، والاستثناء فيها مفرّغ من أعم الأحوال إذ