للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينادى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بوصف الإيمان: يا أيها الذين آمنوا؛ إذ بالإيمان حياتهم فهم بإيمانهم أحياء غير أموات يقدرون على فهم الخطاب، وعلى القول والعَمل، يناديهم ليأمرهم بما فيه سلامتهم من كل مرهوب، وظفرهم بكل مرغوب محبوب من سعادة الدارين ألا وهو تقوى الله الحقة الواجبة له على عباده، والمتمثلة في امتلاء القلب بخشيته ومحبّته، وانقياد الجوارح كل الجوارح لطاعته، حتى يطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا يُنْسى ويشكر فلا يكفر. ولينهاهم عن الكفر بعد الإيمان، والردة بعد الإسلام {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . فليثبتوا على إيمانهم، وليستمرّوا على إسلامهم لربهم مطيعة قلوبهم وجوارحهم لا يفارقون الطاعة حتى تفارقهم الحياة، ابقاء على نور قلوبهم، وزكاة أنفسهم، وطهارة أرواحهم؛ ليكونوا أهلاً لمواكبة الرفيق الأعلى والنزول في منازل الأبرار، والفوز بالنعيم المقيم في جوار الربّ الرحيم.

وناداهم ليأمرهم بالاعتصام بكتابه ودينه، وعهده الذي أخذه عليهم لمّا شهدوا له بالوحدانيّة، ولنبيّه بالرسالة، والاعتصام بكتابه يعنى العمل بما فيه فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويُحلّون حلاله ويحرمون حرامه، ويلتزمون بآدابه، ويتحلون بأخلاقه. والاعتصام بدينه يعنى التمسك بعقائده، وأداء فرائضه، وإقامة حدوده، والتأدب بآدابه، والتجمّل بأخلاقه، مع ملازمة أهله القائمين به والداعين إليه. والاعتصام بعهده يعني الوفاء لله تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وذلك في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وفاءً دائماً، لا يُخلُّون به حتى تفارق الحياة أبدانهم، وتباينهم أرواحهم، وناداهم أيضاً لينهاهم عن التفرق بعد التجمع، وعن الاختلاف بعد الائتلاف؛ لما في تفرقهم من فشلهم وذهاب ريحهم، ولما في اختلافهم من سوء أحوالهم وفساد بالهم، والقعود بهم عن مواكبة الصالحين في الدارين.

هداية الآية: