إن مما تهدي إليه هذه الآية: الموت على الإسلام، والموت على الإسلام هو الغاية التي ما وراءها غاية، والأمل الذي دونه كل أمل ولنشهد هذه الحقيقة من خلال القصة التالية: جلس على عرش مصر نبي الله ورسوله الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليه السلام- ورفع أبويه فوق عرشه فأجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وجلس إخوته الأحد عشر أخاً بين يديه وقد تم له الملك بحذافيره، وجاءته الدنيا طائعة، وحفل الكون به من حوله. هنا ابتهل يوسف إلى ربّه قائلا:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
إن هذه القصة تقول: إن المال والملك والسلطان واجتماع الشمل بالأهل والإخوان ليس بالغاية المطلوبة ولا بالأمل المرجو عند الأبرار الأطهار الأخيار، وإنما الغاية المرغوبة والأمل المنشود: الوفاة على الإسلام، واللّحاق بمواكب الصالحين.
وإن قيل: وهل الإنسان يملك أن يموت على الإسلام، أو على غيره من الأديان؟.
قيل له: نعم؛ إذ عدم الردة عن الإسلام هي الموت عن الإسلام، ومن شبّ على شيء شاب عليه، ومن لازم شيئا في حياته وآثره على غيره مات علَيه، يضاف إلى هذا أن التكليف بملازمة الإسلام وعدم الارتداد عنه ليس تكليفا بما لا يطاق، لاسيما وأن الإسلام دين الفطرة فلا يوجد في النفس البشرية من نوازع تدافع الإسلام وتأباه، والردة المحذر منها قد تأتي من خارج النفس لا من داخلها، تأتى من طريق الاستجابة للشيطان وإخوان الشيطان:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} .