لهذا قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبيلغ هذه الرسالة إلى من استطاع تبليغك من الأمم متمثلين بالحكام كهرقل إمبراطور الروم وكسرى ملك الفرس والمقوقس حاكم مصر والحارث الغساني ملك الحيرة، والحارث الحميري ملك اليمن والنجاشي ملك الحبشة، تاركا لخلفائه من بعده القيام بتبليغ الدعوة إلى بقية الأمم وقد اهتدى بعض تلك الأمم فآمن بدعوته إنصافاً للحق، كما أنصفه من اتبعه من قومه، وقد اعترف توماس في كتابه الدعوة إلى الإسلام، بأن الكتب التي أرسلها محمد بن عبد الله إلى حكام الأمم المختلفة، يدعوهم فيها إلى الإسلام، تدل بوضوح على ما تردد ذكره في القرآن من مطالبة الناس جميعا بقبول الإسلام [١٣] .
هذا وقد اعتبر العلماء أن من ينكر شيئا من ذلك- أي عموم الرسالة وشمولها- فهو كافر مرتد عن الإسلام، فمن ينكر عموم الرسالة أو يرى أن أحداً مهما كان يسعه الخروج منها فرداً أو جماعة أو دولة فهو كافر، أو زعم أنها خاصة بجنس من الأجناس أو عصر من العصور، وأنها لا تعنى بتنظيم شئون الناس في الاقتصاد والاجتماع والسياسة من اعتقد ذلك فهو مرتد عن الإسلام يستتاب فإن تاب وإلا قتل [١٤]
الثانية: العدالة:
إن وجوه العدالة في التشريع الإسلامي كثيرة متعددة، يدركها من يمعن النظر في أحكامه ويتدبرها بتجرد وإخلاص، فأحكامه الخاصة بالأسرة وتكوينها وتنظيمها وحقوق الأفراد وواجباتهم في الأسرة لا تماثلها أحكام مما تواضع عليه البشر واعتادوه، فالأب له حقوقه وعليه التزاماته، والأم كذلك، والأبناء المكلفون كذلك، ونجد هذه القاعدة الفريدة في التعامل بين الزوجين المتمثلة في قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} . (البقرة: ٢٩٩) .