للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} , وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} فقد فسره جماعة بقرب الملائكة لأن قربهم من العبد حين يتلقى المتلقيان وحين الموت كان بأمره سبحانه وتقديره ورعايته لعباده, وفسره آخرون بأنه قربه سبحانه بعلمه وقدرته وإحاطته بعباده كالمعية وكقربه من عابديه وسائليه مع علوه وفوقيته سبحانه, وليس المراد الحلول ولا الاتحاد -تعالى الله عن ذلك وتقدس- لأن الأدلة القطعية من الكتاب والسنة تدل على أن الله سبحانه فوق العرش بائن من خلقه عال عليهم, وعلمه في كل مكان, فمن تدبر النصوص من الكتاب والسنة وفسّر بعضها ببعض اتضح له المعنى ولم يحتج إلى التأويل, وقد اختار أبو جعفر بن جرير رحمه الله في تفسيره القول الثاني في سورة (ق) , والقول الأول في سورة الواقعة, وقد أنكر أهل السنة على من تأول نصوص الصفات وبدّعوه لما يترتب على تأويلها من أنواع الباطل وتحريف الكلم عن مواضعه وتجريد الرب سبحانه من صفات الكمال وسوء الظن به وأنه خاطب عباده بما ظاهره تشبيه وتمثيل وأن المراد غيره. وهذا هو التأويل المذموم وهذا هو الذي سلكه أهل الكلام وأنكره عليهم أهل السنة وضللوهم في ذلك لكونهم تأولوا النصوص عن ظاهرها وصرفوها عن الحق الذي دلت عليه بلا حجة ولا برهان من كتاب ولا سنة بل بمقتضى عقولهم وآرائهم التي لم ينزل الله بها من حجة ولا قام عليها برهان. وقد ألزموهم فيما أثبتوا نظير ما فرّوا منه فيما تأولوه, وهو لازم لهم بلا شك ولا يسلم من التناقض واللوازم الباطلة إلا من أثبت ما أثبته الله ورسوله ونفى ما نفاه الله ورسوله وهم أهل السنة والجماعة والله المستعان.