والآن وقد أشرنا إلى هذا ليتمكن القارئ الكريم من تفيء ظلال هذه السورة من أول مده إلى نهايته، نعود لندرس هذه الآيات الثلاث، ويحسن أن نشير أولا إلى المناسبة بين الآية السابقة، وبين هذه الآيات فنقول: لما كان الإيمان هو السلطان الذي يحكم تلك الجماعة المؤمنة، ويخضعها للقيادة النبوية، والمنهاج الإلهي، يوجهها إلى حيث كمالها وسعادتها، ولم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم وهو قائدها ما يعتمد عليه في أمرها ونهيها، وقيادتها وتوجيهها إلا إيمانها وإيمانها فقط، إذ هو الذي قامت عليه حقيقتها، وانبنى عليه كيانها فصارت به أمة مستعدة للفوز متهيئة للكمال, فبموجبه تؤمر، وبموجبه تنهى، وعلى أساسه تدعى إلى الخير فتقبل مسرعة، وتزجى عن الشر فتنفر منه خائفة مذعورة، ألم تر أنها يوم اختلفت في الأنفال, وكاد الخلاف يفضي بها إلى القتال والانحلال لم يكن لها ما تقاد به إلى وحدة الصف، وجنة الوئام إلا الإيمان فبه أمرت فانقادت، وبه دعيت فأجابت:{فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
ولما كان الإيمان بهذه المثابة ناسب أن يبين لها مزيدا من آثار الإيمان في نفوس المؤمنين, وسلوكهم وأحوالهم، وليكون ذلك بمنزلة وضع مرقاة جديدة لهم ليرتقوا بها إلى منازل الإيمان الكبرى، ويبلغوا الغاية من الكمال البشري في هذه الدار، ويصبحوا بذلك أهلا لجوار الله تعالى وكرامته. فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ..} في ثلاث آيات بينات اشتملت على خمس صفات رسمت بها الصورة الكاملة للمؤمن الحق الذي يستحق الإنعام والتكريم.