فعمدت في عملي هذا إلى إيضاح ما هو إلى الصواب أقوم المسالك، جامعاً فيه بين طريقة أهل الحديث وأئمة الأصول، والفقهاء الذين في الرجوع إليهم أنفس حصول، ذاكراً من المنقول ما أمكن الوصول إليه، ومن المباحث النظرية ما يعول عند التحقيق عليه، مميزاً في ذلك الغث من السمين، مبيِّناً ما هو الضعيف من المتين.
٢ - المقدمة:
يعرف علم الحديث الخاص بالرواية بأنه: علمٌ يعرف به أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها. وعلم الحديث الخاص بالدراية: علم يعرف منه حقيقة الرواية، وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم، وأصناف المرويات وما يتعلق بها [١] .
والمتن: هو ألفاظ الحديث التي تتقن بها المعاني، والسند: هو الطريق الموصلة إلى المتن (أي أسماء رواته مرتبة) . أما الإسناد: فهو حكاية طريق المتن.
إن متن الحديث نفسه لا يدخل في البحث عند أرباب الحديث إلا نادراً، بل يكتب صفته من القوة والضعف، بحسب أوصاف الرواة من العدالة والضبط والحفظ وخلافها، أو بحسب الإسناد من الاتصال والانقطاع والإرسال والاضطراب ونحوها.
وأول من صنف في الاصطلاح القاضي أبو محمد الرامهرمزي بكتابه (المحدث الفاصل) وتلاه الحاكم أَبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصفهاني، ثم جاء بعدهم الخطيب البغدادي فوضع قوانين الرواية في كتابه (الكفاية) إلى أن جاء الحافظ الإمام ابن الصلاح فوضع كتابه الشهير، فهذب فنونه وجمع به علوم سابقيه فكان من أئمة هذا الشأن.
لا تخرج أنواع الحديث عن ثلاثة: حسن صحيح، وحسن، وضعيف؛ لأنه إن اشتمل من أوصاف القبول على أعلاها فالصحيح، أو على أدناها فالحسن، أو لم يشتمل على شيء منها الضعيف.