قال ابن أبى حاتم:"سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل ولا لقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة"[٢٥] . وهو قول جمهور الشافعية واختيار إسماعيل القاضي وابن عبد البر وغيرهما من المالكية والقاضي أبي بكر الباقلاني وجماعة كثيرون من أئمة الأصول.
والحجة في رد المرسل هو أنا إذا قبلنا خبر من لا نعلم حاله في الصدق والعدالة ممن حاله على خلاف ذلك، فنقول على الدين والشرع ما لم نتحقق من صحته، قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} , وقال عز وجل:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} .
وروى الحاكم في كتابه (علوم الحديث) عن يزيد بن هارون قال: "قلت لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل هل ذكر الله عز وجل أصحاب الحديث في القرآن؟ "قال: "نعم، ألم تسمع إلى قوله عز وجل:{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} , فهذا فيمن رحل في طلب العلم ثم رجع به إلى من وراءه ليعلمهم إياه"، وقال الحاكم:"في هذه الآية دليل على أن العلم المحتج به هو المسموع دون المرسل"[٢٦] .
ومن الأدلة على رد المرسل ما رواه أبو داود في سننه في حديث عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم". وما رواه الشافعي- رحمه الله - قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها". والحديثان دلا على أن شأن الرواية اتصال الإسناد، فمتى جوزنا للفرع قبول الحديث من شيخه من غير وقوف على اتصال السند الذي تلقاه شيخه أدى ذلك إلى اختلال السند لجواز أن يكون هذا الساقط غير مقبول الرواية، فلا يجوز الاحتجاج بخبره.