[والقدرية من المعتزلة يعتقدون أن إثبات الرب تعالى لا يمكن إلا بعد اعتقاد أن العبد هو المحدث لأفعاله، وإلا انتقض الدليل] . وكثير منهم جعل سلوك هذا متعينا لأنه الموصل إلى معرفة الله، ومن لم يسلك ذلك لم يعرف ربه. وبطلان هذا معلوم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين, قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين}(البينة: ٥) . وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ}(الزمر:٢) . وقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:٢١) . وهذا كثير في القرآن يأمر الله تعالى أن يعبد ويخلص له الدين، وأن يؤمن به ابتداء، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس إلى النظر ابتداء إلى الاستدلال على وجود الله تعالى، ولا إلى مجرد إثبات وجوده، بل أول ما دعاهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكان يأمر رسله والدعاة الذين يبعثهم لنشر دعوته بأن يبدؤا بدعوة الناس إلى أن يوحِّدوا الله أولا بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كما في حديث معاذ المتفق على صحته حينما بعثه إلى أهل اليمن قال:"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة, فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذُ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم"[٣] . وقوله في حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين وحديث ابن عمر:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"[٤] وقد أجمع الصحابة وأئمة المسلمين من بعدهم على أن الكافر يدعى إلى الشهادتين مهما كانت عقيدته وعمله