إن الكون مفتوح أمام العقل فعليه أن يعبر وينظر ما يريد، أما أن يحاول ارتياد الغيب بلا عاصم وبدون دليل من الوحي الإلهي، فمن الحق أن يقال له حينئذ "ليس هذا بعشِّك فادرجي", ولكن عليه أن يقبل من الغيوب ما جاء به الكتاب والسنة، ومن ذلك ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه الرسول به بدون تأويل أو تبديل بل يؤخذ على ظاهره، وذلك أن الوحي أنزل للهدى والبيان، وهو كما قال الله تعالى:{نور} و {رحمة} و {بصائر للناس} . فمن غير المعقول أن الله تعالى يصف القرآن بأنه هدىً للناس، ونور، وبيان، ورحمة ثم يخاطب الخلق فيه بألفاظ لا يقصد منها ما تدل عليه ظاهراً، بل يكون ظاهرها التشبيه والكفر, كما أنه محالا أن تكون آياته رموزاً وألغازاً أشير بها إلى معان باطنة لا تفهم إلا بصعوبة بالغة, ولا يصل إليها إلا النادر من الأذكياء كما يقوله الذين لم يؤمنوا بالله ورسله, قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الزمر: ٦٧) , وقال تعالى:{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}(سورة ص: ٧٥) , وقال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}(الأنعام: ١٥٨) .
فهذا التقسيم والتنويع يُبْطِلُ تأويل إتيان الرب تعالى بإتيانه أمره أو الملائكة كما يقوله أهل التحريف، ومثل هذه الآية قوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} , وقال تعالى:{قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(طه: ٤٦) .