أما البغدادي فأراد أن يوضحها فذكر مثالا لأحد أصحابه في تفسيرها شبّه فيه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد "بالحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفردا به فإذا اجتمعا جميعا على حمله كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملا"!!
وعلى مثل هذا المثال الفاسد يعتمد الجبرية وبه يتجرأ القدرية المنكرون؛ لأنه لو أن الأقوى من الرجلين عذب الضعيف وعاقبه على حمل الحجر فانه يكون ظالما باتفاق العقلاء، لأن الضعيف لا دور له في الحمل، وهذه المشاركة الصورية لا تجعله مسؤولا عن حمل الحجر.
والإرادة عند الأشاعرة معناها "المحبة والرضا"وأوّلوا قوله تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} بأنه لا يرضاه لعباده المؤمنين! فبقي السؤال واردا عليهم: وهل رضيه للكفار أم فعلوه وهو لم يرده؟.
وفعلوا بسائر الآيات مثل ذلك.
ومن هذا القبيل كلامهم في الاستطاعة، والحاصل أنهم في هذا الباب خرجوا عن المنقول والمعقول ولم يعربوا عن مذهبهم فضلا عن البرهنة عليه!! .
السابع: السببية وأفعال المخلوقات:
يُنكر الأشاعرة الربط العادي بإطلاق وأن يكون شيء يؤثر في شيء وأنكروا كل "باء سببية"في القرآن، وكفّروا وبدّعوا من خالفهم ومأخذهم فيها هو مأخذهم في القدر، فمثلا عندهم: من قال: "إن النار تحرق بطبعها أوهي علة الإحراق فهو كافر مشرك؛ لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقا حتى أن أحد نحاة الأندلس من دولة الموحدين التومرتية الأشعرية هدم "نظرية العامل"عند النحاة مدَّعيا أن الفاعل هو الله!!
ومن قال عندهم: إن النار تحرق بقوة أودعها الله فيها فهو مبتدع ضال، قالوا: إنّ فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهري مخلوق، فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا, وإنما المسألة اقتران كاقتران الزميلين من الأصدقاء في ذهابهما وإيابهما.