لقد صبرنا على الذلة والمهانة وعلى الهزائم والنكبات، ولم نجترئ على أن نترك التشبث بأذيال أوروبا، وأن نعود إلى ركبنا الإسلامي، الذي انتصرنا فيه، وبلغنا إلى المجد الخالد وسعدنا فيه بالتربع على مناصب القيادة الزعامة العالميتين، قد يقولون إن ذلك يعود إلى سوء حظنا، نعم، ولكنه يعود إلى سوء تدبيرنا وسوء حكمتنا أيضا، فقد أهملنا تربية أجيالنا وناشئتنا وتركناها هملا تتخبط في متاهات كل عقيدة باطلة، ونظرية متطرفة فاسدة، وترتع في كل حقل من الإباحية والتحلل والضلال، وتنشأ على أرذل الأخلاق، بعيدة عن إسلامها مستغنية عن دينها، مجردة عن خصائصها وسماتها، متحررة عن أخلاقية أسلافها وبلادها، زاهدة في الحياة العصامية والرجولية القوية التي عاش فيها أبطالنا منذ القديم.
بعد أن كان الموجهون والمشرفون على التربية والتعليم، وآباء الأجيال الناشئة في كل بلاد الإسلام قبل يومنا هذا، يعرفون مسئوليتهم تجاه تربية النشء والأجيال الناهضة، وكانوا يقومون بها خير قيام، فاستمرت الأمة الإسلامية بجهودهم وإخلاصهم محتفظة بقيمتها المعنوية والإنسانية العظيمة، ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا مسئوليتهم، وتناسوا واجبهم وتكاسلوا في عملهم، وتركوا هذا الجيل الجديد نهبة لكل نوع من الأفكار والنظريات والعقائد، تغزوه وتنتصر عليه، فكان ما كان من سوء العاقبة وفساد الحال مما يجأر بشكواه كل صغير وكبير في العالم الإسلامي.
نقلا عن جريدة الرائد التي يصدرها النادي العربي بندوة العلماء، لكهنو (الهند) في عددها ١٩ من السنة ١١ وتاريخ ٢٢ محرم ١٣٩٠هـ أول أبريل ١٩٧٠م.