يقول ابن العربي المالكي في تفسير الآية السابقة:"التوسم: هو تفعّل من الوسم وهي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها, وهي الفراسة وحقيقتها: الاستدلال بالخَلقْ على الخُلق، وذلك بجودة القريحة، ووحدة الخاطر، وصفاء الفكر"[٥] .
ويقول القرطبي:"هي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها ... "وقال ثعلب [٦] : "النظر من القرن إلى القدم, واستقصاء وجوه التعريف, وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر، وزاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدنيا وتطهيره من أدناس المعاصي، وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا"[٧] .
ويفسرها الحكيم الترمذي بقوله:"والتفرس أن يركض بقلبه فارساً بنور الله إلى أمر لم يكن فيدركه... وإذا امتلأ القلب من نور الله تعالى نظرت عينا قلبه بنوره فأدرك في صدره مالا يحاط به وصفا"[٨] .
ويفسرها ابن الأثير بقوله:"الفراسة بمعنيين: أحدهما: ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس. والثاني: يعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق"[٩] .
نلاحظ أن هذه التفسيرات مترددة بين اتجاهين:
الأول: إن الفراسة علامة يستدل بها على مطلوب غيرها- وأصحاب هذا التفسير يوافقون المعنى اللغوي، ويقولون: إن العلامات لما كانت متفاوتة منها ما يظهر من أول وهلة ولكل فرد من الناس، ومنها ما كان خفيا لا يدرك بباديء النظر، كان الخفيّ منها لا يعرفه إلا ذوو التجربة وصفاء الفكر، والفراسة في جميع هذه الأحوال استدلال بالعلامة لا مدخل للإلهام فيها، بل إن أصحاب هذا القول استنكروا على الصوفية وغيرهم ممن يرون أن الفراسة نوع من الإلهام والكرامة.
وقد تمثل هذا الاتجاه في قول ابن العربي وبه أخذ القرطبي وثعلب، وهو المعنى الثاني عند ابن الأثير.