أـ أنه دخل عليه بعض الصحابة، وكان قد مرّ بالسوق فنظر إلى امرأة, فلما نظر إليه عثمان قال:"يدخل أحدكم عليّ وفي عينيه أثر الزنا". فقال له: أَوَحْياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , قال عثمان:"لا ولكن فراسة صادق"[١٢] .
ب ـ أنه لما تفرّس أنه مقتول ولابد، أمسك عن القتال والدفع عن نفسه لئلا يجري بين المسلمين قتال وآخر الأمر يقتل هو، فأَحبَّ أن يُقتل دون أن يقع قتال بين المسلمين [١٣] .
ثالثا: ما روي من فراسة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الحسين بن علي رضي الله عنهما لمّا ودَّعه قال: "أستودعك الله من قتيل"، ومع الحسين رضي الله عنه كتب أهل العراق تناشده الحضور لنصرته، فكانت فراسة ابن عمر أصدق من كتبهم [١٤] .
رابعا: ما روي من فراسة الشعبي- رحمه الله أنه قال لداود الأزدي - وهو يماريه-: "إنك لا تموت حتى تكوى في رأسك", فكان كذلك [١٥] .
والأمثلة من هذا القبيل كثيرة تجل عن الحصر، ولكن الذي يبدو كما ذكرت هو خفاء طريق الاستنتاج، وأن المتفرس يدرك الأمر بأسلوب مستتر، فقد يكون استنتاجه هذا مبنياً على علامات خفية تفرسها، وقد يكون مبنيا على خواطر إلهامية قذفها الله في قلبه ونطق بها لسانه.
القضاء بالفراسة في آراء الفقهاء:
لما كان الاستدلال بالفراسة لا يقوم على أسس واضحة ظاهرة حيث أنّ خطوات الاستنتاج فيها خفية غير معروفة لغير المتفرِّس فقد منع جمهور الفقهاء بناء الأحكام القضائية على الفراسة، وقالوا: إنها لا تصلح مستنداً للقاضي في فصل الدعوى، إذ أن القاضي لابد له من حجة ظاهرة يبني عليها حكمه.
يقول الشيخ الدردير المالكي فيما يتصف به القاضي:"فالمطلوب الدهاء ويندب ألا يكون زائدا فيه عن عادة الناس، خشية أن يحمله ذلك على الحكم بين الناس بالفراسة وترك قانون الشريعة من طلب البيّنة وتجريحها، وتعديلها، وطلب اليمين ممن وجهت إليه وغير ذلك"[١٦] .