المسألة الثانية: القضاء بالتهمة إذا ظهرت كما قال يعقوب: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ولا خلاف في الحكم بالتهمة, وإنما اختلف الناس في تأثير أعيان التهم" [٣٢] .
ومن ذلك أيضا قول القرطبي في تفسيره "استدل فقهاؤنا بهذه القرينة على إعمال الأمارات في مسائل الفقه كالقسامة وغيرها وأجمعوا على أنّ يعقوب -عليه السلام- استدل على كذبهم بصحة القميص, وهكذا يجب عَلى الناظر أن يلحظ الأمارات والعلاقات إذا تعارضت, فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وهى قوة التهمة ولا خلاف في الحكم بها" [٣٣] .
الشاهد الثاني:
إنه لما نشب النزل بين يوسف -عليه السلام- وامرأة العزيز التي قذفته بما قذفته من إرادة الفاحشة، قال يوسف -عليه السلام- مكذبا لها، ودفعا لما نسب إليه، {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} فعند ذلك جاء دور الشاهد الذي وصفه القرآن الكريم بأنه من أهلها والذي فصل الخطاب بما ذكره من القرائن التي بان بها الحق وانفض بها النزاع.
والقرائن التي ذكرها الشاهد هي أنه إذا كان قميص يوسف قدّ من القبل فالمرأة صادقة في دعواها بأنه هو الذي أرادها، أما إذا كان قدّ من دبر فهي كاذبة ويوسف بريء من التهمة. والحاصل أن القميص قدّ من دبر, وهذا دليل إدباره عنها وهو دليل براءته [٣٤] .
وقد يعترض على العلامة المذكورة إذ أنها لا تدل قطعا على براءة يوسف - عليه السلام - لاحتمال أن الرجل قصد المرأة بطلب الفاحشة فغضبت عليه المرأة فعدت خلفه لتضربه، فعلى هذا الوجه قد يتمزّق القميص من دبر، والمرأة بريئة من الذنب.