الوجه الثاني: أنّ هذا الحديث مخالف للأحاديث الأخرى الصحيحة ولعلها لم تبلغ القائلين بهذا القول إذ إنها لو بلغتهم لم يسعهم إلا التسليم؛ لأنه لا يصح لمسلم كائنا من كان يبلغه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دالُّ على حكم من الأحكام إلا القبول والتسليم قال ابن المنذر: بعد عرض المسألة وما فيها من خلاف: "كان الحسن البصري من بين سائر أهل العلم لا يرى الإحداد، وقد رُدَّ قول الحسن بأن الأخبار قد ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بوجوب الحداد وليس لأحد بلغَته إلا التسليم، ولعل الحسن لم تبلغه أو بلغته فتأولها بحديث أسماء بنت عميس [١٥] الآنف الذكر.
الوجه الثالث: لو سلّمنا بصحة هذا الحديث فالأحاديث الدالة على الوجوب مقدّمة عليه لكونها أصح منه ولا ريب في دلالتها على الوجوب فإنّ حديث التي شكت عينها والذي تم تثبته قريبا يفيد الإيجاب وإلا لم يمتنع التداوي المباح، وأيضا السياق يدل على الوجوب فإن كل ما منع منه ودل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالاً بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف [١٦] .
هذا ما يمكن أن يستدل به لهذا القول وما يمكن أن يجاب به عن الاستدلال.