ثم إن عبد الله بن عباس كتب إلى عبيد بن ميمون المسمى بالمهدي بموت المنصور وهو يومئذ بمدينة بناها وسماها المهدية بالغرب وأنه قام بمذهبه من بعد المنصور ودعا إليه وأنه لم يبق إلا استيراد الأمر ويسأله الولاية وعزل أولاد المنصور وخرج ولد المنصور بنفسه إلى القيروان يسأل الولاية لنفسه ولا ينزع الأمر منهم بعد أبيهم، وقد كانت وصلت هدايا ابن عباس وكتابه وولاه الأمر وكتب له فلما وصل ابن المنصور أمره بطاعة ابن عباس وبعث لابن عباس بسبع رايات، فرجع ولد المنصور إلى مسور وقد يئس مما كان يرجو من الولاية فلقيه عبد الله بن عباس بنفسه وأهل دعوته فبجله وعظمه ولقيه أخوه جعفر وأبو الفضل وبقية أولاد القرمطي لعنه الله فسألوه بما ورد به الأمر فعرفهم بصرف الأمر عنهم إلى عبد الله بن عباس دونهم فتبين لجعفر في وجه أخيه أبي الحسن الشر والعداوة لابن عباس والحسد فنهاه عن ذلك وقبح عليه وزجره وقال له:"أنت تعلم أنه غرس أبينا وأنه لا يقدم علينا سوانا في هذا الأمر", قال:"والله لا تركته يتنعم في ملك عني به غيره ونحن أحق به منه"فقال له أخوه جعفر: "إن أمرنا إذن يتلاشى ويزول ملكنا وتتفرق هذه الدعوة ويذهب الناموس الذي نمسناه على الناس فلا تحدث نفسك بهلاكه فتهلك"فلم يلتفت إلى قوله وكتم السر في نفسه وكان أولاد المنصور لا يحجبون عن أبي العباس ليلا ونهارا فوثب عليه أبو الحسن بن المنصور فقتله غدرا وولي الأمر من بعده فولي ما كان أبوه يلي ورجع إلى مذهب الإسلام وجمع العشائر من بلده وأشهد أنه رجع عما كان عليه أبوه فأحبه الناس فدخل عليه جعفر فقبح ما فعله وقال: "قطعت يدك بيدك"فلم يلتفت إلى قوله, وخرج جعفر إلى ولد عبيد المسمى بالقائم فكاتب أخاه يعيب عليه فعله بشعر طويل يقول فيه: