الأمر الثاني: أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم، وهم لا يعلمون ذلك. وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب، ونعلم قطعا غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس، فلم يكن ليتكلم إلاّ بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها, وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم الله ذلك له من غير معلم.
وابن مالك قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر، متعقباً بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك.
"وابن المصنف رحمه الله كأنه موافق لأبيه في استدلاله بما روي في الحديث، فإنه يذكره على طريقة التسليم".
وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة. وكان ممن أخذ عن ابن مالك- قلت له: يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم، ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول. فلم يجب بشيء.
قال أبو حيان:"وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتديء: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما. فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث". انتهى كلام أبي حيان.
وقال القاضي عياض [٣٥] في شرح مسلم: قال الشعبي [٣٦] : "إذا وقع في الحديث اللحن البينّ يعرب". وقاله أحمد بن حنبل. قال:"لأنهم لم يكونوا يلحنون". وقال النسائي:[٣٧]"إن كان شيئاً تقوله العرب فلا يغيّر، وإن لم يكن من لغة قريش، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكلم الناس بألسنتهم، وإن كان لا يوجد في كلام العرب فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن".