للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا لم تكن رسالة الرسل في دعوة الناس إلى الإيمان بوجود الله أو ربو بيته، إذ كان هذا مستقراً في القلوب وإنما كانت دعوة الرسل إلى توحيد الله في إلهيته بأن يعبد وحده لا شريك له والتخلي عما اتخذوه معبوداً من دون الله تعالى، وأولياء يلجأون إليهم وشفعاء يعبدونهم بالحب والدعاء والخوف والرهبة والرجاء قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . والطاغوت كل من أضلك عن سبيل الله، أو صرفك عن طريق الحق، أو احتكمت إليه في دينك بحكم يحكم فيه بالهوى أو عبدته من دون الله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} . لم يقل لا رب سواي لأن الناس جميعاًَ يوحدون الله في ربو بيته ولم يقل إني إله لأنهم جميعاًَ يؤمنون بذلك ولكنه قال: {لا إِلَهَ إِلا أَنَا} وأمر بعد ذلك بعبادته ليوحده الناس في الألوهية ويعبدوه وحده وهذه رسالة الرسل وهى توحيد الله في إلهيته بأن يعبدوه وحده لا شريك له، وفى يوم النداء من الطور، في تجلي النور، كان أول ما أمر به موسى أن يسمعه ويطيعه، ويبلغه {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (سورة طه:١٤) . وملاك ذلك أن لا يعبد إلا الله، وأن لا يعبده إلا بما شرع، فمن ابتغى بعمل غير وجه الله، فهو مشرك، ومن عَبَدَ الله وحده، بما لم يأذن به الله ولم يشرعه فهو مبتدع ضال، ولا يكون الدين لله خالصا إلا إذا كان كل ما نعمله ونقوله هو لله خالصا وسواء كان من شئون الدين أومن شئون الحياة مادمنا نرجو الثواب من الله تعالى عليه، قال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: "من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" [١] فذكر العمل مطلقاًَ غير مقيد بكونه عمل ديني أو دنيوي، ليكون وجود العبد كله في الحياة