للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعرضت العقوبات التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم، لتأديب المجرمين وزجرهم وردعهم، من جلد وهجر أو قطع أو رجم أو قتل، لقد تعرضت للهجوم والسخرية والاستهزاء من قبل كثير من الكتاب، فتارة توصف بأنها وحشية وتارة توصف بأنها عقوبات قاسية قديمة ولا تليق بالعصر الحديث، ومن المؤسف أن نجد مثل هذا الانتقاد عند بعض الكتاب المسلمين، فهذا أحد الكتاب وهو يتحدث عن العقوبات وتطورها يقول: والتعويض المدني يمتاز عن الدية بأنه مرن يزيد وينقص حسب مقدار الضرر الناتج عن الجريمة، كما أنه يمتاز عن القصاص في أنه لا يقصد به مجرد الانتقام من الجاني وإنما يقصد به إزالة الضرر الواقع على المجني عليه إذا أمكن، أو تعويضه عن هذا الضرر ليخفف أثره إذا لم تكن الإزالة ممكنة، كما أن التعويض المدني يمتاز عن الدية والقصاص في أنه حق مدني منفصل عن العقوبة فيمكن للمجني عليه أن يتنازل عنه، ولكن ذلك لا يعفى الجاني من العقوبة التي هي حق للمجتمع [١٦] وهذا كلام جاهل بالشريعة، وإلا فأي مرونة أكثر من المرونة في تقاد ير الديات في التشريع الإسلامي وتقديرها بحسب الضرر الذي يصيب المجني عليه، ولم تبلغ شريعة من الشرائع ولاَ نظام من الأنظمة ما بلغته هذه الشريعة في تقدير الديات بحسب الإصابة، حتى قدروا للظفر ديته، وللشعر ديته، ولكل جرح بحسب غوره في البدن ديته التي تناسبه، فأي مرونة أكثر من هذه المرونة، ومن ذا الذي يجهل أن للمجني عليه أن يتنازل عن الدية، بل هو مدعو إلى ذلك ومرغّب فيه، كما أن التنازل عن الدية لا يعنى الإعفاء من المسئولية مطلقا، بل لولى الأمر أن يعزر الجاني تعزيراً مناسبا، كل هذه المعلومات يدركها أقل المسلمين اطلاعا، ولكنه الجهل أو التجاهل.