هؤلاء الذين يزعمون أن العقوبات الإسلامية قاسية هل درسوها حقيقة وعرفوا الجرائم الشنيعة التي فرضت من أجلها هذه العقَوبات، وهل أدركوا مدى تأثير هذه الجرائم على المجتمع وخطورتها عليه، ولو أنهم لاحظوا ذلك لما نبسوا ببنت شفه. ومن ناحية أخرى هل درسوا أدلة الإثبات في هذه الجرائم وكيف أن أدلة الإثبات متناسبة مع العقوبة ومع الجريمة فكما أن العَقوبة مشددة فإن أدلة الإثبات كذلك مشددة فيها، وهناك شروط متعددة ودقيقة ولابد من توافرها في المجرم والجريمة كي توقع العقوبة على المتهم.
إن أغلب الظن أن هؤلاء المتهجمين على العقوبات الشرعية يسمعون بها مجرد سماع دون أن يدرسوها دراسة متأنية منصفة متجردة، وإلا لو فعلوا ذلك لما وسعهم إلا الإكبار لهذه الشريعة في أحكامها العادلة.
الوقفة الثالثة:
لماذا هؤلاء دائما في صف المجرم، ولا يرِد في تصورهم إلا المجرم وهو تحت العقوبة جلداً أو قطعا أو قتلاً، ولا يرد في تصورهم مطلقاَ ذلك الضحية المسكين، الذي اعتدى عليه بغير حق، فجرح أو فقئت عينه أو قتل ظلماً وعدواناً، أليس المعتدى عليه أولى بالعطف والشفقة والرحمة من ذلك المجرم.
الوقفة الرابعة:
إن العقوبات الشرعية التي تبدوا شديدة لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: القصاص حيث يجرح من جرح قصاصاً، وتفقأ عينه قصاصاً إذا فقأ عين غيره عمدا أو جرحه عمدا. ويقتل من قتل قصاصاً، إذا قتل على وجه العمد، ولا يمكن أن يعترض حكيم أو عاقل منصف على هذه النظرية، نظرية القصاص حيث يعاقب المجرم بنفس الطريقة التي أرتكبها مع الضحية ما أمكن ذلك، إلا في الحالات التي لا يمكن تنفيذ القصاص فيها، أو أن القصاص يؤدى إلى مفسدة. فيما عدا ذلك فالقصاص هو الأصل ولا يعترض عليه أو ينتقده إلا مغفل أو مغرض. هذه حاله.