فقوله:"فوق ثلاث" يفيد جواز الثلاث فما دونها وعدم جواز الزيادة عليها إلا فيما دلّ عليه الاستثناء. قال ابن حجر في الفتح بعد ما ذكر الحديث:"واستدل به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليه وكأن هذا القدر أُبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية ولهذا تناولت أم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما الطيب لتخرجا عن عهدة الإحداد وصرحت كل منهما بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أنّ آثار الحزن باقية عندهما، لكنهما لا يسعهما إلا امتثال الأمر"[١] .
وهذا الذي ذكره ابن حجر رحمه الله وما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تفيد بمنطوقها ومفهومها أن الحد الأعلى في حق المرأة للحداد على قريبها الميت هو ثلاثة أيام بلياليها.
وقد ذكر أبو داود في المراسيل بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حديثا يعارض ظاهره هذه الأحاديث ونصه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام"[٢] . والجواب عن الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:(أ) أنه ضعيف لا تقوم به حجة لكونه مرسل قال: فإن عمرو بن شعيب لم يكن من الصحابة بل ولا من التابعين، والمرسل في ضعف الاحتجاج به إنما يكون من التابعين فإذا كان الأمر كذلك فلا تعارض به الأحاديث الصحيحة.
(ب) لو سلّمنا بصحته وسلامة الاستدلال به لم نسلّم بمعارضته للأحاديث الصحيحة بل نقول هو مخصص للأب من عمومها فتحد ابنته عليه سبعة أيام بلياليها على ما هو مبين في الحديث ويبقى ما عداه من الأقارب على العموم الوارد في الأحاديث والذي يتعين اتباعه والمصير إليه هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي تم ثبتها قريباً أكثر من مرة.