للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبانتهاء الكلام عن شهادة أهل الخبرة نكون قد فرغنا من عرض أهم وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، وقد رأينا أن هناك قسما قد اتفق الفقهاء على حجيته وهو الإقرار والشهادة، وقسما اختلفوا فيه وعرضنا فيه اليمين النكول عنه، وعلم القاضي، والقرائن والفراسة، والكتابة وشهادة الخبراء، وقبل أن أختم هذا البحث أرى أن أقرر بعض الحقائق المهمة:

الأولى: إن هذه الأدلة التي سقناها تدل على الحق غالبا، ولا يخلو دليل منها- متفق عليه أو مختلف فيه- من احتمال، ولكن هذا الاحتمال لا يمنع غالبا دلالتها على الحق، ولذا جعلها الشارع وسائل للإثبات لأن الحكم للكثير الغالب لا للقيل النادر.

الثانية: إنه لا يجوز التوصل إلى هذه الوسائل بطريق غير مشروع، ولابد للقاضي من التأكد من سلامة إجراءات حصوله على أي من هذه الأدلة ويظهر تقرير الفقه الإسلامي لقواعد سلامة إجراءات الوصول إلى الأدلة في أمرين:

(أ) عدم جواز تعذيب المتهمين للحصول على إقرارهم:

يرى ابن حزم أن الامتحان في الحدود وغيرها من الجرائم بالضرب وبالسجن أو التهديد لا يحل شرعا لأنه لم يرد بذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع، بل قد منع الله تعالى من ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام" [٢٠] . ولا يجوز ضرب المسلم إلا إذا ثبت عليه حق فمنعه فيكون ظالما في هذه الحالة فوجب ضربه لإخراج الحق منه.

ويرى ابن حزم تأسيسا على ذلك أنه لو ضرب المتهم حتى أقر فإن إقراره لا يعمل به، لأنه قد أخذ بصفة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع [٢١] .