وإما أن يكون الاختلاف في القول والعمل، غير أن الأقوال مبنية على تأويل فاسد، إتباعا للهوى، ويدعون إليها، ويحاربون عليها، ويوالون ويعادون فيها كفعل الخوارج، والروافض، والمعتزلة، ونحوهم، ويدخل في ذلك من يقاتل لأجل الملك والدنيا والرئاسة، فهؤلاء ما بين معتد ظالم أو مفرط ضال أو عابد لهواه وشهوته، فهؤلاء هم أهل الضلال، والخذلان، وهم الذين توجه إليهم الذم في الكتاب والسنة.
وأول هؤلاء هلاكا هم الخوارج المارقون عن الحق، حيث حكموا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم - وأن علي بن أبي طالب، ومعاوية وعسكريهما هم أهل المعصية، والبدعة، فاستحلوا ما استحلوا من دماء المسلمين بسبب ذلك.
وفى صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"وإن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم [٢٠] ، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"[٢١]
وروى ابن أبي شيبة، عن حذيفة قال:"من فارق الجماعة شبرا، فارق الإسلام"[٢٢] .
وروى عن علي قال:"الأئمة من قريش، ومن فارق الجماعة شبرا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه "[٢٣] . والمقصود بالجماعة أهل الحق الذين اجتمعوا عليه، ولم يخالفوا ما جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحسب الاستطاعة.
وهذه النصوص وأمثالها تدل على وجوب جمع كلمة المسلمين واجتناب كل ما يكون سببا للخلاف، حتى مسائل العلم الاجتهادية التي ينشأ عنها تفرق ومعاداة.