وفيهما عن أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ".
والأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالكف عن القتال في الفتن، واعتزال المقاتلين كثيرة جدا، وواضحة جلية، وهي من الأمور المانعة من التفرق، لأن هذا هو العلاج في مثل تلك الحال، فإذا لم تمنع بالكلية فبها العمل على تقليلها، ولو باعتزال أصحابها ومن الأصول المتفق عليها عند أهل السنة، ودلت عليه النصوص الكثيرة، أنه إذا كان للناس إمام جائر ظالم، فإن الناس يؤمرون بالصبر على جوره وظلمه، وبغيه ولا يقاتلونه وأن مجرد وجود البغي من إمام، أو من طائفة لا يبيح قتالهم.
فدفع البغي لم يأذن الشرع به مطلقا بالقتال، بل إذا كان فيه فتنة، ويترتب عليه ضرر أعظم منه وجب الكف عنه، وأمر بالصبر والاحتمال؛ لأن الشريعة مبناها على دفع أعظم المفسدتين بالتزام أقلهما ضررا إذا لم يمكن دفع الفساد مطلقا.
والنبي- صلى الله عليه وسلم - إذا وصف طائفة بأنها باغية ليس معنى ذلك أنه أمر بقتالها بل ولا مبيحاً له، سواء كان بغيها بتأويل أو بغير تأويل.
وكل ما أوجب فتنة أو فرقة بين المؤمنين فليس هو من الدين، سواء كان قولا أو فعلا. والفتنة والفرقة لا تقعان إلا مِن تَرْك ما أمر الله به، والله تعالى أمر بالحق والعدل وأمر بالصبر، والفتنة تكون من ترك الحق أومن ترك الصبر.
فالمظلوم إذا كان على حق فإنه يؤمر باحتمال الأذى والصبر على البلوى، فإذا ترك الصبر فإنه يكون تاركا لما أمر الله به.
وإن كان المظلوم مجتهدا في معرفة الحق ولم يصبه، ثم لم يصبر على البلوى، كان مقصرا في معرفة الحق وآثما بترك الصبر، ولكن قد يؤجر على اجتهاده ويعفى له عن تقصيره، وأما ترك الصبر فعليه إثم ذلك.