وهذا الاحتجاج يدل على جهل قائله بأصول الشريعة الإسلامية ومبادئها إذ كيف يتصور أن توجد الضرورة إلى نظام كنظام التأمين؟ قد توجد الضرورة في حالات فردية تقدر بقدرها وتقيد بشروطها مثل اضطرار الذي يخشى الهلاك إلى أكل الميتة ومثل هذه الصورة لا تتصور في نظام كهذا النظام.
وإذا عرفنا أن للضرورة حدوداً يعرف بها ما يكون ضرورة في واقع الأمر وما لا يكون وعرفنا معنى الضرورة وأنها ما يرتب على تركه تلف النفس أو العضو فهل الحاجة إلى التأمين من هذا الصنف؟ كلا.
وإذا وجدت ضرورة فإنما تقدر بقدرها كما تقدم وتعتبر أمراً استثنائيا يزول بزوال الحالة التي ألجأت إليه ولا يمكن أن يجعل قاعدة عامة في صورة نظام عام فإن مثل هذا يستلزم حاجة الشريعة إلى أنظمة وعقود محرمة واعتقاد مثل هذا قد يؤدى بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله لأنه يستلزم الاعتقاد بنقص الشريعة الإسلامية وتكذيب الله عز وجل القائل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...}[٦٤] .
وحتى الحاجة التي تُنَزّل منزلة الضرورة مشروطة بأن يكون قد شهد لها الشرع بالاعتبار فليس كل ما يسبب حرجاً للناس يستباح به المحظور وقد ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}[٦٥] قول العلماء: "رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع"[٦٦] .
وما من شك أن من استقام على منهاج الشرع واتقى الله عز وجل فلن يجد حرجاً حين يمتنع من عقود التأمين.
والخلاصة أن الاحتجاج بالضرورة لا يصلح دليلاً لإباحة عقود التأمين إذ ليس هناك في الحقيقة ضرورة بالمعنى الشرعي.