ورد في كلام بعضهم أن كلا من طرفي العقد في التأمين يتعاقد مع الآخر عن رضى تام ورغبة تامة [٦٨] .. وهذا القول يدل على جهل فاضح فمتى كان التراضي على العقد المحرم مبيحاً له فعقد الربا المحرم بالإجماع لا يمكن أن يحله التراضي فكذلك عقد التأمين لا يحله التراضي وهو يتضمن أموراً يحرمها الشرع، فالتراضي المعتبر في قوله عز وجل:{إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[٦٩] . هو فيما أحله الله من العقود ولا اعتبار للتراضي فيما حرمه الله سبحانه وتعالى.
١١- إلحاق عقود التأمين بالجعالة:
زعم محمد البهي أن عقد التأمين هو عقد جعالة بين الشركة وجميع المُؤَمنين [٧٠] ..
ولا وجه لزعمه هذا فالجعالة إجارة على منفعة مظنون حصولها مثل مشارطة الطبيب على البرء والناشد على وجود العبد الآبق.. ويشترط فيها عند من أجازها أن يكون الثمن معلوماً وأن يكون العمل مما لا ينتفع الجاعل بجزء منه.. والأصل فيها قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}[٧١] . وما في الأثر من أخذ الثمن على الرقية بأم القرآن [٧٢] .
فالجعالة إذاً معاوضة بين الجاعل وبن من يعمل العمل.. الجاعل يلتزم بمال معلوم والآخر يقوم بعمل معين فأين هذا من عقد التأمين بين المُؤَمن والمستأمن؟ وأيهما الجاعل؟ وأيهما الذي يقوم بالعمل؟ كل هذا لا ينطبق على عقد التأمين فالتأمين التزام بمال مقابل التزام بمال وهذا الالتزام غير معلوم المقدار وفي الجعالة يشترط أن يكون معلوماً.. والالتزام في عقد التأمين لا يقابله عمل وإنما يقابله التزام بمال أيضاً وفي الجعالة يقابل الثمن المعلوم عمل معين فلا يمكن أن يقاس عقد التأمين على الجعالة للاختلاف الظاهر بينهما بوجود مثل هذه الفروق الجوهرية التي تمنع القياس.