وما كانت جميعا لتروج عاما ولا شهرا ولا يوما ولا ساعة لولا هذا الأفيون الروحي الجماعي الذي كثيرا ما ينتاب الشعوب فيذرها مبنجة في غيبوبة عن المنطق والتفكير الصحيح، وإذا كانت الوثنيات ترتكز على ركائز أربعة:
- أولها: الزعماء وحواشيهم وهم الذين سماهم الحق تبارك وتعالى (بالملأ) بقوله: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ} , وهؤلاء يمسكون بالخرافة لا إيمانا بها ولكن لأنها هي التي تحفظ عليهم منصبهم وجاههم وسمعتهم بين العامة.
- وقامت الركيزة الثانية على الكهنة ورجال الدين الضالين المضلين الذين قاموا بنسج هذه الأساطير الملفقة تواطؤا مع الزعماء وضمانا لمكاسبهم المادية ومنزلتهم في النفوس.
- وقامت الركيزة الثالثة على الجيوش والشرطة الذين يعملون كحراس للفئتين السابقتين لتحتفظ لنفسها بقسط وافر من الغنائم والسحت والجاه كذلك.
إلا أن هذه الركائز ما كانت لتبقى لولا الركيزة الرابعة التي هي بحق عمود فسطاط الوثنية ولذا كانت أهمها جميعا.
تلك أيها الإخوة الكرام هي (العوام) و (الجماهير) الذين غالتهم كؤوس الروح فعطلوا عقولهم وسدوا آذانهم وغطوا أبصارهم فلسان حالهم قولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} , من هذه الركيزة نجم الخطر الأكبر على الدين الصحيح والدعوة الحقة فلولا (العامة) و (الجمهور) ما قامت أسطوانة واحدة للركائز السابقة بحال وهل كان فرعون مستطيعا أن يدعي الربوبية العليا لولا الدهماء! إقرأ إن شئت قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} .