لذلك التزام الإمام مالك بن أنس رحمه الله في العبادات عدم الالتفات إلى المعاني وإن ظهرت لبادئ الرأي وقوفا منه رحمه الله مع ما فهم من مقصود الشارع في التعبدات من التسليم لها على ما هي عليه بخلاف العادات فهي جارية على المعاني المناسبة الظاهرة للعقول فإن مذهب مالك فيها الرجوع إلى المصالح المرسلة والاستحسان.
الأمر الثالث: أن المصالح المرسلة ترجع إلى حفظ ضروري من الضروريات فهو من باب الوسائل ومالا يتم الواجب إلا به.
أو ترجع إلى دفع جرح لازم فهو من باب التخفيف.
فإذا تقرر ذلك علم أن البدع مخالفة للمصالح المرسلة لأن موضوع المصالح المرسلة: ما عقل معناه على التفصيل مثل الأمور العادية فلذا كانت مظنتها بخلاف العبادات فليس حكمها حكم العادات لاهتداء العقول لها في الجملة وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى الله تعالى. فلذا لا يقدم على اختراع عبادة لا أصل لها في الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"إن أعمال العباد تنقسم إلى: عبادات يتخذونها دينا ينتفعون بها في الآخرة أوفي الدنيا والآخرة، وإلى عادات ينتفعون بها في معاشهم.
فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى.
والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظر الله تعالى" [٨] .
ونكرر ونقول: إن المصالح المرسلة مرجعها إما حفظ ضروري فهو من باب الوسائل لا من المقاصد. أو رفع جرح لازم فهو راجع إلى التخفيف لا إلى التشديد.
فلا يمكن إذًا إحداث البدع من جهة المصالح المرسلة لأن البدع متعبد بها فليست وسائل بل هي من المقاصد عن أصحابها، ولأن البدع زيادة في التكليف فهي منافية للتخفيف، فلا حجة لأهل البدع في المصالح المرسلة أصلا.